فصل: تفسير الآيات (1- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (49- 50):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
{ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون} أي بعد نزول القرآن إذا لم يؤمنوا به فبأي شيء يؤمنون والله أعلم.

.سورة النبأ:

.تفسير الآيات (1- 8):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)}
قوله عز وجل: {عم} أصله عن ما {يتساءلون} عن أي شيء يتساءلون يعني المشركين ولفظه استفهام، ومعناه التفخيم كقولك، أي شيء زيد إذا عظمت شأنه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد، وأخبرهم بالبعث بعد الموت، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون فيما بينهم فيقول بعضهم لبعض ماذا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر عما ذا تساؤلهم فقال تعالى: {عن النبأ العظيم} يعني الخبر العظيم الشأن قال الأكثرون هو القرآن، وقيل هو البعث وقيل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به {الذي هم فيه مختلفون} فمن فسر النبأ العظيم بالقرآن قال اختلافهم فيه هو قولهم إنه سحر أو شعر أو كهانة أو نحو ذلك مما قالوه في القرآن، ومن فسر النبأ العظيم بالبعث قال اختلافهم فيه فمن مصدق به، وهم المؤمنون ومن مكذب به، وهم الكافرون ومن فسره بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم قال اختلافهم فيه كاختلافهم في القرآن {كلا} هي ردع وزجر وقيل هي نفي لاختلافهم، والمعنى ليس الأمر كما قالوا {سيعلمون} أي عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر يعني في القيامة {ثم كلا سيعلمون} وعيد على أثر وعيد، وقيل معناه كلا سيعلمون يعني الكافرين عاقبة تكذيبهم وكفرهم ثم كلا سيعلمون يعني المؤمنين عاقبة تصديقهم وإيمانهم ثم ذكر أشياء من عجائب صنائعه ليستدلوا بذلك على توحيده، ويعلموا أنه قادر على إيجاد العالم وفنائه بعد إيجاده وإيجاده مرة أخرى للبعث والحساب، والثواب، والعقاب فقال تعالى: {ألم نجعل الأرض مهاداً} أي فراشاً وبساطاً لتستقر عليها الأقدام {والجبال أوتاداً} يعني للأرض حتى لا تميد {وخلقناكم أزواجاً} يعني أصنافاً ذكوراً وإناثاً.

.تفسير الآيات (9- 18):

{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)}
{وجعلنا نومكم سباتاً} أي راحة لأبدانكم وليس الغرض أن السبات للراحة بل المقصود منه أن النوم يقطع التعب ويزيله، ومع ذلك تحصل الراحة، وأصل السبت القطع، ومعناه أن النوم يقطع عن الحركة والتصرف في الأعمال {وجعلنا الليل لباساً} أي غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته عن العيون، ولهذا سمي الليل لباساً على وجه المجاز، ووجه النعمة في ذلك هو أن الإنسان يستتر بظلمة الليل عن العيون إذا أراد هرباً من عدو ونحو ذلك. {وجعلنا النهار معاشاً} أي سبباً للمعاش والتصرف في المصالح وقال ابن عباس تبتغون فيه من فضل الله وما قسم لكم من رزقه {وبنينا فوقكم سبعاً شداداً} يعني سبع سموات محكمة ليس يتطرق عليها شقوق ولا فطور على ممر الزمان إلى أن يأتي أمر الله تعالى: {وجعلنا سراجاً وهاجاً} يعني الشمس مضيئة منيرة، وقيل الوهاج الوقاد، وقيل جعل في الشمس حرارة ونوراً والوهج يجمع النور والحرارة {وأنزلنا من المعصرات} يعني الرياح التي تعصر السحاب. وهي رواية عن ابن عباس: وقيل هي الرياح ذوات الأعاصير، وعلى هذا المعنى تكون من بمعنى الباء، أي وأنزلنا بالمعصرات، وذلك لأن الريح تستدر المطر من السّحاب، وقيل هي السحاب وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس المعصرات السّحابة التي حان لها أن تمطر، ولما تمطر وقيل المعصرات المغيثات والعاصر هو الغيث، وقيل المعصرات السّموات، وذلك لأن المطر ينزل من السّماء إلى السحاب {ماء ثجاجاً} أي صباباً مدراراً متتابعاً يتلو بعضه بعضاً، ومنه الحديث «أفضل الحج العج والثج»، أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهّدى {لنخرج به} أي بذلك الماء {حباً} أي ما يأكله الإنسان كالحنطة ونحوها {ونباتاً} أي ما ينبت في الأرض من الحشيش مما يأكل منه الأنعام {وجنات ألفافاً} أي ملتفة بالشجر ليس بينها خلال فدل على البعث بذكر ابتداء الخلق ثم أخبر عنه بقوله تعالى: {إن يوم الفصل} أي الحساب {كان ميقاتاً} أي لما وعده الله من الثواب والعقاب وقيل ميقاتاً يجمع فيه الخلائق ليقضي بينهم {يوم ينفخ في الصور} يعني النفخة الأخيرة {فتأتون أفواجاً} يعني زمراً زمراً من كل مكان للحساب.

.تفسير الآيات (19- 25):

{وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)}
{وفتحت السماء فكانت أبواباً} يعني فكانت ذوات أبواب لنزول الملائكة، وقيل تنحل وتتناثر حتى يصير فيها أبواب وطرق {وسيرت الجبال} أي عن وجه الأرض {فكانت سراباً} أي هباء منبثاً كالسراب في عين الناظر {إن جهنم كانت مرصاداً} أي طريقاً وممراً فلا سبيل لأحد إلى الجنة حتى يقطع النار وروي عن ابن عباس «إن على جسر جهنم سبع محابس يسئل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصّلوات فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزّكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تاماً جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها، وإلا يقال انظروا فإن كان له تطوع أكملت به أعماله فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة»، وقيل كانت مرصادا أي معدة لهم، وقيل هو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته، والمرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو، والمعنى إن جهنم ترصد الكفار أي تنتظرهم {للطاغين} أي الكافرين {مآباً} أي مرجعاً يرجعون إليها {لابثين فيها} أي في جهنم {أحقاباً} جمع حقب وهو ثمانون سنة كل سنة اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوم كل يوم ألف سنة يروى ذلك عن علي بن أبي طالب، وقيل الحقب الواحد سبعة عشر ألف سنة.
فإن قلت الأحقاب وإن طالت فهي متناهية وعذاب الكفار في جهنم غير متناه فما معنى قوله أحقاباً.
قلت ذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: ما روي عن الحسن قال: إن الله تعالى لم يجعل على النار مدة بل قال لابثين فيها أحقاباً، فوالله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل حقب آخر، ثم آخر إلى الأبد فليس للأحقاب عدة إلا الخلود وروي عن عبد الله بن مسعود قال: «لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا».
الوجه الثاني: أن لفظ الأحقاب لا يدل على نهاية، والحقب الواحد متناه، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً لا يذوقون فيها أي في تلك الأحقاب برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً، فهذا توقيت لأنواع العذاب الذي يبدلونه ولا توقيت للبثهم فيها.
الوجه الثالث: أن الآية منسوخة بقوله فلن نزيدكم إلا عذاباً يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل. {لا يذوقون فيها برداً} قال ابن عباس: البرد النوم وقيل برداً أي روحاً وراحة، وقيل لا يذوقون برداً ينفعهم. {ولا شراباً} أي يغنيهم عن عطش {إلا حميماً وغساقاً} أي لكن يشربون حميماً قيل هو الصفر المذاب، وقيل هو الماء الحار الذي انتهى حره وغساقاً قال ابن عباس الغساق الزمهرير يحرقهم ببرده، وقيل هو صديد أهل النار.

.تفسير الآيات (26- 37):

{جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)}
{جزاء وفاقاً} أي جازيناهم جزاء وافق أعمالهم، وقيل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. {إنهم كانوا لا يرجون حساباً} أي لا يخافون أن يحاسبوا، والمعنى أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم يحاسبون {وكذبوا بآياتنا} أي التي جاءت بها الأنبياء، وقيل كذبوا بدلائل التوحيد والنّبوة والبعث والحساب {كذاباً}، أي تكذيباً قال الفراء هي لغة يمانية فصيحة يقولون في مصدر التفعيل فعال، قال وقد سألني أعرابي منهم يستفتيني الحلق أحب إليك أم القصار يريد التقصير {وكل شيء} أي من الأعمال {أحصيناه} أي بيناه وأثبتناه {كتاباً} أي في كتاب وهو اللوح المحفوظ، وقيل معناه وكل شيء علمناه علماً لا يزول ولا يتغير ولا يتبدل والمعنى أنا عالم بجميع ما فعلوه من خير وشر، وأنا أجازيهم على قدر أعمالهم جزاء وفاقاً {فذوقوا} أي يقال لهم ذوقوا {فلن نزيدكم إلا عذاباً} قيل هذه الآية أشد آية في القرآن على أهل النار كلما استغاثوا من نوع من العذاب أغيثوا بأشد منه.
قوله عز وجل: {إن للمتقين مفازاً} أي فوزاً أي نجاة من العذاب، وقيل فوزاً بما طلبوه من نعيم الجنة، ويحتمل أن يفسر الفوز بالأمرين جميعاً لأنهم فازوا بمعنى نجوا من العذاب، وفازوا بما حصل لهم من النّعيم. ثم فسره قال {حدائق} جمع حديقة وهي البستان المحوط فيه كل ما يشتهون {وأعناباً} التنكير يدل على تعظيم ذلك العنب {وكواعب} جمع كاعب يعني جواري نواهد قد تكعبت ثديهن {أتراباً} يعني مستويات في السن {وكأساً دهاقاً} قال ابن عباس: مملوءة مترعة، وقيل متتابعة، وقيل صافية {لا يسمعون فيها} أي في الجنة، وقيل في حالة شربهم لأن أهل الدنيا يتكلمون بالباطل في حالة شربهم {لغواً} أي باطلاً من الكلام {ولا كذاباً} أي تكذيباً والمعنى أنه لا يكذب بعضهم بعضاً ولا ينطقون به {جزاء من ربك عطاء حساباً} أي جازاهم جزاء وأعطاهم عطاء حساباً أي كافياً وافياً، وقيل حساباً يعني كثيراً، وقيل جزاء بقدر أعمالهم {رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطاباً} أي لا يقدر الخلق أن يكلموا الرب إلا بإذنه، وقيل لا يملكون منه خطاباً أي لا يملكون شفاعة إلا بإذنه في ذلك اليوم.

.تفسير الآيات (38- 40):

{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)}
{يوم يقوم الروح والملائكة صفاً} قيل هو جبريل عليه الصلاة والسلام وقال ابن عباس: الروح ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقاً أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفاً، وقامت الملائكة كلهم صفاً واحداً فيكون من عظم خلقه مثلهم، وقال ابن مسعود: الروح ملك عظيم أعظم من السموات والأرض والجبال وهو في السماء الرابعة يسبح الله كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكاً يجيء يوم القيامة صفاً وحده، وقيل الروح خلق على صورة بني آدم وليسوا بناس يقومون صفاً والملائكة صفاً هؤلاء جند وهؤلاء جند وقال ابن عباس الروح خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم، وعنه أنهم بنو آدم يقومون صفاً والملائكة صفاً، وقيل يقوم سماطان سماط من الروح وسماط من الملائكة {لا يتكلمون} يعني الخلق كلهم إجلالاً لعظمته تعالى جلّ جلاله وتعالى عطاؤه وشأنه من هول ذلك اليوم {إلا من أذن له الرحمن} أي في الكلام {وقال صواباً} أي حقاً في الدنيا وعمل به، وقيل قال لا إله إلا الله قيل الاستثناء يرجع إلى الروح والملائكة، ومعنى الآية لا يشفعون إلا في شخص أذن الرحمن في الشفاعة له، وذلك الشخص ممن كان يقول صواباً في الدنيا، وهو لا إله إلا الله {ذلك اليوم الحق} أي الكائن الواقع لا محالة وهو يوم القيامة. {فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً} أي سبيلاً يرجع إليه وهو طاعة الله وما يتقرب به إليه {إنا أنذرناكم} أي خوفناكم في الدنيا {عذاباً قريباً} أي في الآخرة وكل ما هو آت قريب {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} يعني من خير أو شر مثبتاً في صحيفته ينظر إليه يوم القيامة. {ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً} قال عبد الله بن عمرو «إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الدّواب والبهائم والوحوش، ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشّاة الحماء من الشاة القرناء نطحتها. فإذا فرغ من القصاص قيل لها كوني تراباً فعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً» وقيل يقول الله عز وجل للبهائم بعد القصاص إنا خلقناكم وسخرناكم لبني آدم وكنتم مطيعين لهم أيام حياتكم فارجعوا إلى ما كنتم عليه كونوا تراباً، فإذ رأى الكافر ذلك تمنى، وقال يا ليتني كنت في الدّنيا في صورة بعض هذه البهائم، وكنت اليوم تراباً وإذا قضى الله بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، وقيل لسائر الأمم سوى الناس والجن عودوا تراباً فيعودون تراباً فحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً، وقيل معناه إن الكافر إذا رأى ما أنعم الله به على المؤمنين من الخير، والرحمة، قال يا ليتني كنت تراباً يعني متواضعاً في طاعة الله في الدنيا، ولم أكن جباراً متكبراً، وقيل إن الكافر هاهنا هو إبليس، وذلك أنه عاب آدم وكونه خلق من تراب، وافتخر عليه بأنه خلق من نار فإذا كان يوم القيامة، ورأى ما فيه آدم وبنوه المؤمنين من الثواب والرحمة، وما هو فيه من الشّدة والعذاب قال يا ليتني كنت تراباً قال أبو هريرة رضي الله عنه يقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلي، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة النازعات:

.تفسير الآيات (1- 2):

{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)}
قوله عز وجل: {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً} اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات هل هي صفات لشيء واحد أو لأشياء مختلفة على أوجه واتفقوا على أن المراد بقوله: {فالمدبرات أمراً} وصف لشيء واحد وهم الملائكة:
الوجه الأول: في قوله تعالى: {والنازعات غرقاً} يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم. كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد، والغرق من الإغراق أي، والنازعات إغراقاً وقال ابن مسعود: «إن ملك الموت، وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، فتخرج نفس الكافر كالغريق في الماء» {والناشطات نشطاً} الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تسلها سلاًّ رفيقاً فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير، وإنما خص النزع بنفس الكافر والنشط بنفس المؤمن، لأن بينهما فرقاً فالنزع جذب بشدة والنشط جذب برفق، {والسابحات سبحاً} يعني الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلاً رفيقاً، ثم يدعونها حتى تستريح، ثم يستخرجونها كالسابح في الماء يتحرك فيه برفق ولطافة، وقيل هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد إذا أسرع في جريه. يقال له سابح {فالسابقات سبقاً} يعني الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، وقيل هم الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
الوجه الثاني: في قوله: {والنازعات غرقاً} يعني النفس حين تنزع من الجسد، فتغرق في الصدر ثم تخرج {والناشطات نشطاً}، قال ابن عباس: هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة، وذلك لأنه يعرض عليه مقعده في الجنة قبل أن يموت وقال علي بن أبي طالب: هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد، والأظفار حتى تخرج من أفواههم بالكرب والغم.